الاثنين19 محرم 1447هـ
14 يوليو 2025 م
ثقافة:اليمن الاخباري/تتربع قلعة صيرة على قمة جبل صيرة البركاني المطل على ميناء عدن، شامخة كأنها حارس الزمن على ضفاف البحر العربي. هذه القلعة التي تقف على صخرة عملاقة قبالة جبل المنظر، تعد من أبرز المعالم التاريخية التي شهدت حقباً من الكفاح والمقاومة، وارتبطت بأساطير وأسفار، وألهمت المؤرخين والباحثين.
تاريخ وبناء استراتيجي
يُرجّح الخبير السوفييتي سيرجي شير نسكي أن تعود تشييدات القلعة الحالية إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، رغم أن أساساتها قد تكون أقدم بكثير، وربما تعود إلى العصر الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي. غير أن غياب الأدلة الأثرية الدقيقة يدفع كثيراً من الخبراء إلى المطالبة بحفريات علمية واسعة للكشف عن مكنوناتها.
وقد شهد الموقع زيارات ميدانية من باحثين يمنيين في ثمانينيات القرن الماضي، أكدوا أن القلعة بنيت في موقع استراتيجي يتيح مراقبة البحر وحماية الميناء من الغزاة. وأظهرت بعض المدافع القديمة المدفونة بفعل عوامل التعرية أن القلعة خاضت معارك ضارية ضد القراصنة والمستعمرين.
بين الأسطورة والتاريخ
تُحيط بالقلعة هالة من الأساطير الهندية والإسلامية والمسيحية التي اختلطت بالإخباريات المحلية، فبعض الروايات تتحدث عن "هنومت" الإله القرد الذي حفر نفقاً من الهند إلى صيرة في ليلة واحدة، وأخرى تزعم وجود "بئر الهرامسة" التي تخرج منها النار يوم القيامة.
ومن الاعتقادات القديمة المرتبطة بالقلعة عادة "ضحية الجبل" التي تمثلت في تقديم ثور قرباناً على أمل تهدئة البحر وعودة السفن، في مشهد يذكر بمعتقدات قديمة عرفتها حضارات كمصر والهند.
صمود في وجه الغزاة
عرفت قلعة صيرة دوراً محورياً في مقاومة الغزو الاستعماري. فقد تصدت للهجمات البرتغالية في القرن السادس عشر، وواجهت القوات المملوكية والعثمانية والبريطانية. وسجل المؤرخون مقاومة شرسة خاضها أهل عدن بدعم من قادة محليين، أبرزهم مرجان الظافري الذي جهز المدينة ومدافعها لصد الأعداء.
وفي عام 1839م، كانت القلعة شاهدة على مواجهة دامية ضد القوات البريطانية بقيادة الكابتن هينس، الذي استخدم حادثة جنوح سفينة هندية كذريعة لاحتلال عدن. ورغم مقاومة الحامية اليمنية، سقطت المدينة بعد قصف شديد ومعارك غير متكافئة.
من التراث إلى الحاضر
بعد قرون من التهميش، بدأت الجهات الرسمية تولي اهتماماً بإحياء القلعة كموقع تراثي وسياحي. وقد دعت لجنة "إضاءة قلعة عدن" منذ أواخر الستينيات إلى إعادة إنارتها كمرحلة أولى نحو تطوير الموقع، وتحويله إلى وجهة تاريخية وسياحية تجذب الزوار وتروي قصة صيرة لزمن الحاضر.
قلعة صيرة ليست مجرد أطلال صامتة على قمة جبل؛ بل هي سجل حافل بالحكايات، والدماء، والأساطير، تستحق أن تُروى، وأن تُحفظ للأجيال القادمة.
اليمن الاخباري
التسميات :
ثقافة