حبُّ العمل القضائي روح العدالة وميزان الإخلاص بين القاضي والإداري



الاثنين 26 ذو الحجة 1446هـ
 23 يونيو 2025م 
 

كتابات:اليمن الاخباري/عالم العدالة حيث تسكن القيم وتستقر المبادئ وتتعانق الأرواح المؤمنة برسالة القضاء يبرز حب العمل كأقدس ما في هذه المهنة الجليلة فهو ليس مجرد أداء يومي ينتهي بانتهاء الدوام بل هو انتماء يتغلغل في أعماق النفس وارتباط وثيق بقضية أكبر من مجرد الحضور والانصراف إنه شعور خفي يدفع الموظف الإداري في النيابات والمحاكم إلى أن يكون خلية نحل صامتة تعمل في هدوء وتبني في صمت وتسند ظهر العدالة دون أن تطلب مقابلًا أو شهرة فالموظف الإداري حين يعرف أنه جزء من منظومة القضاء وحين يعي أن الورقة التي يحررها أو المعاملة التي يمررها قد تكون سببًا في إنصاف مظلوم أو رفع ظلم عن بريء فإنه بذلك يتجاوز حدود العمل إلى آفاق الرسالة ويصعد من المهنة إلى مقام الأمانة ومن هنا يجب على الموظف الإداري أن لا يتهاون في الوقت ولا يتأخر في الإنجاز ولا يبرر التقصير بأي ظرف كان لأن القضايا لا تنتظر والحقوق لا تُؤجّل والناس لا يطيقون التسويف فكل لحظة يتأخر فيها عن أداء واجبه قد تُفضي إلى ضياع حق أو تأخير عدالة ومن هنا أيضًا ينبثق الدور المقدس للقاضي أو الوكيل أو عضو النيابة فهؤلاء ليسوا فقط من يصدرون الأحكام أو يتخذون القرارات بل هم من يصنعون الروح التي تسري في جسد الإدارة فإذا ما كان القاضي كريمًا في تقديره وعادلًا في معاملته ولطيفًا في توجيهاته فإن ذلك ينعكس مباشرة على الموظف فيزداد حماسه ويقوى عطاؤه ويشعر بقيمته فيتضاعف ولاؤه أما إذا كان القاضي غليظًا في لفظه أو متعاليًا في أسلوبه أو متجاهلًا لمشاعر الآخرين فإن الموظف حينها يفقد الدافع ويخبو الأمل ويبدأ في التراجع فيصبح العمل عبئًا والدوام ثقيلًا والمكان غير مُحبب وهنا تذبل شجرة الانتماء وتتيبس أوراق الإخلاص ومن أجل ذلك كله يجب أن يكون القاضي أو الوكيل قدوة في الاحترام والعدل والرحمة يجب أن يكون راعيًا للعاملين لا متسلطًا عليهم مشجعًا لا مثبطًا حنونًا لا قاسيًا فبكلمة طيبة تُروى النفس وبابتسامة صادقة تُبذر الثقة وبسؤال بسيط عن حال الموظف تُبنى جسور المحبة ومن تلك الجسور يُعاد ترميم روح العمل ويُعاد بناء الهيبة القضائية الحقيقية لا بالكراسي ولا بالأختام بل بالعلاقات الإنسانية الصادقة والاحترام المتبادل الذي يجعل من كل فرد في السلك القضائي جنديًا مرابطًا في ثغر من ثغور العدالة يقاتل التخلف ويقاوم الفساد ويمنع الظلم ويزرع الأمل ولا شك أن الوظيفة القضائية بجميع مستوياتها تتطلب تلاحمًا بين الجميع لا تفرقة بين عضو وموظف لا استعلاء ولا تحقير بل تكامل في الأداء وتراحم في المعاملة وتعاون على الخير وهذا التلاحم لا يُصنع بتعاميم ولا يُفرض بأوامر بل يُبنى بالتواضع ويُصان بالاحترام ويُعمّق بالإحساس الجمعي بأننا جميعًا في مركب واحد وأن غرق المركب لا يُفرق بين ربان وبحار ومن هنا نقول إن زرع حب العمل لا يكون إلا بقيادة تحترم من تعمل معهم وتتقن فن التعامل وتعرف أن الناس لا تُقاد بالرهبة بل تُقاد بالقدوة وأن الإخلاص لا يُشترى بالمال بل يُنتج من الطمأنينة والعدل والرفق ولا ننسى أن من أعظم وسائل بث الحماس تكريم المجتهدين وشكر المخلصين وتثمين التضحيات فليس من العدل أن يستوي من اجتهد مع من أهمل ولا من المنطق أن يُعامل النشيط كالمتكاسل فإن في العدل استقامة وفي المكافأة حياة وفي الاهتمام دافعًا للاستمرار وختامًا فإن حب العمل في السلك القضائي ليس رفاهية وليس شعارات بل هو وقود العدالة وروح الوظيفة وسر النجاح وهو ما يجب أن يحرص عليه القاضي والإداري والعضو على حد سواء حتى تبقى العدالة قوية شامخة مزروعة في قلوب العاملين قبل أن تكون مكتوبة في دفاتر الأحكام

الناشر:اليمن الاخباري
المصدر:محمد عبداللطيف الغشم
أحدث أقدم
تصميم وتطوير - دروس تيك